ماذا أكتب عن كارثة الجهراء؟ بل كيف أكتب عن هذه الفاجعة وقد فقدت الرغبة في كتابة المقالات بعد فقداني لوالدي منذ أشهر قليلة بعد معاناة مريرة مع مرض السرطان، وهو في الكويت بينما أسكن أنا الجانب الآخر من الكرة الأرضية. ألجمني رحيله ليأتي رحيل نساء وأطفال الجهراء لينطقني: مَنْ أعزي ومَنْ يعزيني بهم؟فالمصاب واحد والكارثة مشتركة بين أبناء الشعب جميعا. من الطمع أن نتوقع أن تبرئ الكلمات نار الفقد أو حتى أن تخفف مرارة علقم اليتم الذي استيقظ في بيوت الجهراء في تلك ليلة، ولكن لا أملك إلا أن أقول حسبي الله ونعم الوكيل. أشعر بالخجل من التعامل الحكومي مع المأساة، ومن التناول الإعلامي لها من القطاعين العام والخاص في الكويت. فقبل ما يقارب الشهر وفي الصباح الباكر شب حريق في المبنى الذي اسكنه في منهاتن، تسبب بإطلاق صافرات أجهزة الإنذار في كل الشقق والمصاعد والردهات في المبنى خلال ثوان معدودة. ورغم أن الحريق كان قد شب في غرفة في شقة تقع في الدور العاشر يقطنها زوجان لاتينيان من كبار السن لا يجيدان الإنكليزية، إلا ان الدخان وصل إلى الشقق العليا حتى الدور الخامس والثلاثين. لم أكد أضع السماعة بعد الاتصال على الطوارئ حتى رأيت فريق المطافئ قد اقتحم نافذة الغرفة التي وقع فيها الحريق باستخدام سلم متحرك من جهة الشارع ورأيتهم يحطمون النوافذ ويسيطرون على الحريق، بينما خرج جاري العجوز وجارتي الاخرى حاملة طفلها الرضيع ليطمئنا على الجيران، طالبين منهم البقاء داخل الشقق وذلك حسب إرشادات خدمة 911. بعد دقائق انتشر رجال المطافئ في مختلف الأدوار، وكادوا يقتحمون مسكني لأنني كنت من المتصلين على 911 وأرادوا التأكد أنني بخير. كم تمنيت أن يكون لدى الكويت مثل هذه الفرق المختصة بالطوارئ، ومثل هذا النظام الذي يسمح للمتطوعين بالتعامل مع الحدث، كل حسب تدريبه. وعرفت لماذا تفتخر صديقتي بابن أخيها الإطفائي المتطوع في مدينته الصغيرة في ولاية أيوا، رغم انه أب لطفلة صغيرة يودعها ثلاثة أيام في الأسبوع كل صباح قبل أن يلتحق بعمله التطوعي هذا دون أن يعرف إلى ماذا سينتهي مصيره في تلك الأيام. النتيجة كانت أن تمت السيطرة على الحريق، وتم كسر كل أبواب الشقق في الدور العاشر لإخلائها من سكانها خلال دقائق.تذكرت وأنا أشاهد صور كارثة الجهراء رائحة الدخان وطعمه يملآن فمي من تجربة بسيطة لا تقارن بما حدث هناك، فترحمت على الضحايا ودعوت لهم بالمغفرة ولأهاليهم بالصبر. في نيويورك لا يملك الناس رفاهية أن يسدوا الطرقات أو يعطلوا عمل أفراد الشرطة او المطافئ أو الخدمات الطبية، ليس فقط لأنهم سيتعرضون للمساءلة القانونية دون شفاعة واسطة بسبب «سلطة القانون» او rule of law والتي تسري على الجميع من دون استثناء، فلا أحد فوق القانون، بل لأنهم أيضا واعون لدور أفراد الخدمات المدنية العامة التي وجدت لضمان أمنهم وسلامتهم. وهم يعلمون جيدا أن لكل تخصصه ولكل دوره الذي يجب أن يقيد أداءه حتى لا يسبب الأذى للآخرين. وفي نيويورك لا تنهب أموال التبرعات لبناء المستشفيات الجديدة ثم تظهر فجأة من دون أن «تقتلع» رؤوس من على كراسي المسؤولية! إنا لله وإنا إليه راجعون.. ولكم الله يا أهل الجهراء!أيضا في نيويورك، وفي أي منطقة من العالم يملك من يدير شؤونها شيئا من الرشد وقليلا من الإحساس بالمسؤولية، تقطع قنوات التلفزة المحلية برامجها لتخبر مشاهديها بأهم التطورات التي تطرأ على الطقس، ان استدعى الأمر ذلك، بينما ملايين الدنانير تصرف على وسائل الإعلام العامة والخاصة في الكويت، والنتيجة أن يتخصص العام منها بتوزيع الدروع الخشبية والبرونزية، بينما يتفرغ الخاص منها في البحث عن الفضائح وإرضاء الذوق الرديء، أو يتعلق البعض الآخر بطرف فستان مذيعة «دلوعة»، فلا يبقى لنا ـــ خاصة لمن هم منا في الخارج ــ سوى «الآن» ذات الإمكانات المادية المتواضعة والطاقات البشرية المعدودة لتطلعنا بما يحدث وترحمنا من قسوة الاشاعات، فشكرا لـ «الآن».
مقالة حنان الهاجري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق