
كيف ينبغي للمرأة أن تعيش حياتها، أن تحيا لتبلغ السبعين، ممتلئة بالخوف وتحاول أن تكون مثلما يطلب الآخرون منها أن تكون ؟ أو تلعب دور البطلة بكل عواطفها ضمن إطار المعرفة التي تختبر وتخفق دون الحاجة إلى هزيمة توازيها؟ أنا كارنينا بطلة تولستوي المليئة بالحيوية بقيت ولفترة طويلة لغزا كبيرا قبل أن تصبح نموذجا تقليديا لمناقشة الصراع بين الرغبة والطموح في حياة النساء.
أنا،تعتبر أصيلة بالنسبة للفترة التي عاشت فيها ولدت في عائلة ثرية تنتمي إلى الطبقة الراقية لمدينة سانت بيترسبيرغ في القرن 19 وتواجه النفاق الاجتماعي عندما تتحرر من زواج فارغ بعد أن تقع في حب ضابط شاب (فرونسكي) وتثير الفضائح حولها عندما تقرر أن تعيش معه كعشيقة بعد أن يرفض زوجها تطليقها، ولكن عواطفها الحارة تجاه حبيبها تخفت تدريجيا بسبب الآلام التي يخلفها فراقها لابنها والاستياء الذي يسود تجاهها من قبل الأرستقراطية المحيطة بها ، وبعد أن تدمن تعاطي الأفيون وتصل إلى حالة اليأس تبدأ بالشك في فرونسكي وفي ذروة نوبة من الغيرة قاتلة ترمي نفسها تحت عجلات القطار.

عندما يلتقي القراء للمرة الأولى ب أنا يدركون عناصر الصراع في حياتها فهي سيدة مجتمع وزوجة مطيعة وأم ممتازة ولكنهم لا يعرفون من هي ، كما لا يعرفون بقية الأبطال لأنهم لا يضايقون أنفسهم بطرح الأسئلة ، إن الشعور بالوحدة لا يقتصر على قرن من دون سواه وفي قرننا هذا هناك العديد من النساء يشعرن بالوحدة لأنهن يشعرن بأنهن لا يعبرن عن أنفسهن كما يشأن ولا ينظرن للأمور بالطريقة التي يرغبن بها أو لا تؤدي الأعمال التي ينبغي أن يؤدينها
وأنا كارنينا هي من نمط النساء اللواتي يشعرن بكل هذه التناقضات لذا تقرر بأن رغبتها في أن تكون محبوبة هي أعظم من خوفها في أن تبقى وحيدة وتحيا بهذا الخوف طوال حياتها ، ومن المؤكد أن هناك طابع رومانسي لمأساتها ولكنها ليست رومانسية صادقة وغير مجدية فهي تترك زوجها وأبنها لأن هذا هو السبيل الوحيد لبقائها على قيد الحياة ، فللمرة الأولى في حياتها تقتنع أنا بأنها محبوبة وجميلة بعد أن يخبرها حبيبها بذلك وهنا يفهم القراء مدى الحاجة إلى أن يكونوا محبوبين،
إن تولستوي يكتب هذه الرواية من خلال خبرتنا بالحياة ومثل هذه الكشوفات وامتياز كوننا أحياء هو إقرار بقدرة هذه الكشوفات بتغيير حياتنا وهكذا فإن أنا لا يمكنها أن تتراجع أبدا ، ان طاقتها الهائلة للحب بدأت بالتدفق عندما تلتقي ب فرونسكي وهذه الطاقات العاطفية هي التي أثارت تولستوي وهي التي جعلتها بطلة لا تضاهى ، إن قدرتها على العيش في اللحظة المتوفرة لها ونزاهتها النادرة تجعلها تشعر بالرضا فهي عندما تلبي نداء قلبها تشعر بتلك الانفعالات التي نرغب جميعا أن نشعر بها ، في حياتنا المعاصرة يتم حصر العاطفة وبطريقة ضيقة فقط بالعاطفة الجنسية التي بدورها يتم تخريجها في صيغة الجمال الحسي ، فالأسلوب لم يعد موقفا من الحياة ، عندما كتب تولستوي الرواية لم يصف أنا بالجمال فهي ذات جبين منحدر وملامح ضخمة ولكن لا يمكن لأي قارئ أن يشك بأنه صورها كآلهة ، إن سحر أنا يكمن في باطنها وليس في ملامحها الخارجية
قبل انتحارها تخبر أنا حبيبها فرونسكي . ( أنا لا اعرف من أنا ،أنا لا أعرف سوى شهوتي تجاه الحياة ) وفي النهاية تضحي بنفسها من أجل تلك الشهوة ولكن ميزتها عن بقية النساء هي أنها عاشت حياة حقيقية منذ اللحظة التي أيقظ فيها فرونسكي ذاتها من خلال إعجابه بها ، في نهاية الرواية تواجه أنا خيار أن تعود لزوجها وهي مهانة وذليلة لتعيش حياة مزيفة أو تقرر بأنها عاشت فعلا لذا عليها أن تقفز ليس هربا من شيء ما بل نحو شيء وهنا يكمن انتصارها ، من الرائع أن نرى امرأة تلعب دور البطولة .
Anna Karenina by Leo Tolstoy
المصدر:
هل ينبغي إعادة تأمل كتابة ما
عن الغارديان
ترجمة / عدنان توفيق
هل ينبغي إعادة تأمل كتابة ما
عن الغارديان
ترجمة / عدنان توفيق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق