يتسلل فيه ضوء الشمس عبر النافذة الى عيني الناعستين فيوقظني،
خيوطها الذهبية تتمشى في انحاء الغرفة فتبدد عتمتها،
ترسم لوحاتها بطفولة على ملاءات سريري وتزركشها،
صباح يغتسل بالضوء ويمسح ما تبقى من آثار ليل وسواده.
أزيح الستارة على مهل وأطل من زجاج النافذة،
حرارة الجو تبدو مرتفعة،
رفرفة جناحي عصفور قد تكفي لتخفف حدتها،
كما حفنة ضوء في الغرفة قد تكفي لتبعثر عتمتها،
تفرش على السرير زنابق ضوء،
فتحول الدار بعيني الى بستان صغير،
لي الخيار في أن أراها كذلك،
أو أن أراها قبوا فتح بابه للتو،
تراكمت فيه أتربة الهم ونسجت فيه البيوت عناكب الضجر.
حط عصفور على نافذتي،
دنوت منه وأطعمته حبة توت،
شكرني وتمتم بأسى:
«أحيانا.. وبالرغم من تكدس عصافير من حولي وزحام أشعر بأني وحيد»
ابتسمت وقلت:
«كن أسرابك واملأ دنياك بذاتك، إن لم تكن قادرا على ذلك فستبقى أبدا في الحياة وحيدا».
أردف قائلا:
«أصبحت السماء تضيق بي».
ربّتُّ على جناحيه وقلت:
«ولكنك مازلت قادرا، وان ضاقت بك على الطيران».
قال:
«الطيران لا يعني التحليق، كما ان العيش لا يعني الحياة».
أجبته مبتسمة:
«ليكن الأمل عشك، فلولاه ما تحررت أوطان، وما رست سفن بأمان، وما حطت قلوب عصافير على أفنان، لو عبأت رئتي حياتك بأكسجين الأمل لما وصل اليك اليأس وفتحت له بابك، بالأمل ستبدو ملامح ذاتك أبهى، والبهجة أقرب الى بابك».
قال:
«وقد نضل الطريق بفانوس الأمل ولا نصل!».
قلت:
«وقد نصل، لا تطفئ باليأس غدك وتحرق يومك، وإن كان حلمك أكبر منك بكثير».
ضحك ساخرا وقال:
«الواقع لا يشبه الحكايات الخرافية!».
قلت:
«الحياة مليئة بالاحتمالات والمفاجآت، والواقع صندوق الدنيا، قد يخبئ البهجة في جراب الخيبة، وقد يكون في جداره المسدود باب سري للفرح، وإن لم يكن، أن نحلق على متن الأمل خير من أن نكسر أجنحة أرواحنا فنهوي، وبالكآبة نرتطم، الأمل طائرة ورقية، قد تسقط أو ترتفع بنا عاليا، لنا أن نطلقها أو في أدراج القنوط نحبسها، فلمَ نحرم أرواحنا من متعة الأمل؟»
نظر العصفور الى جناحيه وقال:
«أملك ما هو أقدر على التحليق من طائرة ورقية!»
ابتسمت وتساءلت:
«وماذا تنتظر؟»
غمز لي العصفور باشّا وحلق مغردا.. فتركت له دفة نافذتي مواربة والستائر مفتوحة!

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق