قصة طريفة ...عن الاحسان
بطلها رجل فرنسي اسمه (جاك) عاش في الثلاثينات من القرن العشرين، وكان فقيرا وبائعا متجولا في الخامسة عشرة من عمره، وفي ليلة شتائية وكاد الصقيع أن يقضم أطرافه، وإذا برجل يضع على كتفه الهزيل معطفا من الصوف وعلى رأسه قلنسوة من الفرو، ويقول له: هذه هدية مني لك ولا تسألني عن اسمي، وكان لهذا الحادث تأثير عظيم في نفس جاك.
ومرت الأعوام وإذا بالصبي الصغير يرتقي درجات النجاح إلى أن أصبح ثريا دخله الشهري (مليون فرنك) في ذلك الزمان، وقرر أن يقتطع من ذلك المبلغ (200) ألف فرنك ينفقها شهريا كيفما اتفق على المحتاجين. وفي كل يوم وبعد أن ينتهي دوامه في العمل، ينطلق وحده في الشوارع، إذا ما شاهد رجلا مهموما أو امرأة فقيرة بائسة، كان يفاجئهم بعطاياه قائلا لهم: هذه هدية مني لك ولا تسألني عن اسمي.
المشكلة التي واجهته بعد ذلك، أن الجميع بدأوا ينتبهون ويتناقلون ويتحدثون عن تلك الظاهرة، فاستغلها البعض من الأفاقين، وأخذوا يترصدونه في الشوارع، مدعين الفقر والعوز.
عندها فطن إلى هذا (المطب)، فأنشأ مكتبا منظما يعطي قروضا من غير تأمين وبشروط متسامحة لكل من يثبت فقره وحاجته، وفي كل أسبوع ينفق هذا المكتب (50) ألف فرنك على المعدمين دون أن يطالبهم باسترداد المبالغ، غير أن (جاك) بعد ذلك أصبح مطمئنا إلى أن مساعداته تذهب للمحتاجين فعليا، وقبل أن يتوفى أوصى بأن تكون نصف أمواله تستمر على هذا المنوال.
ويقول مشعل السديري انه في إحدى الليالي وبينما كنت جالسا مع أحد الأثرياء، وحكيت له قصة (جاك) ويبدو أنها وقعت في نفسه وقعا حسنا، فذهب أخونا في الله إلى المسجد ليصلي صلاة الجماعة كعادته، ووضع في جيبه (رزمة) عشرة آلاف ريال، وبعد أن سلم الإمام بنهاية الصلاة، وكان بجانبه عامل فقير (آسيوي)، وإذا بالتاجر المحسن يخرج (الرزمة) بيده اليمين دون أن تدري يده الشمال عنها، و«يدحشها» في جيب العامل المسكين الذي اعتقد أنه يريد أن يسرق الريالات القليلة من جيبه، فما كان من العامل إلا أن ينتفض ويلطمه على وجهه ويمسك بتلابيبه صائحا بأعلى صوته قائلا: هرامي هرامي - أي حرامي حرامي - فتدافع كل من في المسجد و«أفتكوه» بشق الأنفس من بين أياديه، خصوصا أنه رجل معروف في المجتمع بمركزه وكرمه وأخلاقه وإحسانه!
والحق يقال إنني لم أكن في ذلك اليوم مصليا في المسجد، ولكن قيل لي إن سائق ذلك الشيخ قد أخذه رأسا إلى المستشفى وثيابه ملطخة بالدم من جراء قوة اللطمة التي «هرشمت» وجهه وكادت أن تكسر منخاره. وزرته في اليوم الثاني في المستشفى وهو ممدد على السرير، وما إن شاهدني حتى قال لي: أعوذ بالله منك ومن وجهك، الله لا يبارك فيك، ولا في (جاك) حقك.
.aawsat.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق